النور الذى أضاء حياتى ....
--------------------------------------------------------------------------------
قصة واقعية ... النور الذى أضاء حياتى
- الإشارة حمراء.. والطريق مليء بالسيارات..
- لم يتبق على الموعد سوى بضع دقائق..
- تبا لهذه الإشارة إنها طويلة.. ياليتني كنت في الصف الأول.. كنت قطعتها..
- الثواني تمر بطيئة كأنها دقائق بل ساعات..
- انظر إلى الساعة حينا وإلى الإشارة حينا آخر..
- أضاءت الإشارة اللون الأخضر.. ضغطت على منبه السيارة أزعجت الجميع تحركت السيارات.. تجاوزت الأول كدت اصطدم بالآخر.. قيادتي للسيارة أفزعت من حولي..
- حاولت أن أسرع.. لكنني لم أستطع..
- مضى الوقت.. وضاع الموعد.. ولم أجد الأصدقاء.. لقد ذهبوا..
- إلى اين أذهب؟.. احترت في الإجابة.. أطلقت زفرة من صدري.. ياليتني كنت أعرف المكان..
- السيارة تمضي بهدوء.. انطلقت أفكر.. أيقظني منبه سيارة أخرى.. نظرت إلى صاحب اليسارة بغضب.. وأشرت إليه بيدي.. على مهلك الدنيا لن تطير.. ونسيت حالي قبل دقائق..
- قررت أن اقضي السهرة في البيت.. إنها فكرة جيدة .. فابنتي الوحيدة مريضة.. ومن الاصول ان أكون قريباً منها..
- أوقفت السيارة أمام محل الفيديو.. نزلت إلى المحل.. اخترت عدة أفلام... وانطلقت إلى المنزل..
- فتحت الباب.. ناديت على زوجتي.. احضري الشاهي والم**رات..
- دخلت إلى الغرفة.. «يالها من زوجة معقدة».. الآن ستقول لي: «اتق الله يا أحمد» لقد تعودت على هذه الكلمات حتى تبلدت احاسيسي نحوها.. لكنها زوجة مطيعة طيبة.. تشقى من أجل سعادتي..
- دخلت ومعها الشاهي والم**رات.. ابتسمت في وجهي.. قالت: لا بد أنك سئمت السهر مع أصدقائك وتريد أن تجلس في البيت. قلت: نعم.. تعالي واجلسي.. فرحت وجلست .. وقمت أنا إلى جهاز الفيديو والتلفاز.. أرخت المسكينة رأسها وقالت: اتق الله يا أحمد وخرجت تجر أذيال الحسرة والهزيمة..
- ارتفعت الأصوات في الغرفة.. موسيقى.. صراخ ضحكات.. وانطلقت أشرب الشاهي.. وأتناول الم**رات.. وعيناي قد تسمرتا في شاشة التلفاز..
- انتهى الشريط الأول .. والشريط الثاني..
- الساعة تشير إلى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل..
- فجأة.. مقبض الباب يتحرك ببطء.. صرخت: ماذا تريدين؟ لم أسمع جوابا..
- انفتح الباب.. دخلت ابنتي المريضة..
- فاجأني الموقف.. سكت برهة ولم أتكلم..
-اقتربت مني.. قالت لي: اتق الله يا أبي.. ثم انصرفت وأغلقت الباب..
- ناديتها ولم تجب.. انطلقت خلفها لا أكاد أصدق.. هل هذه ابنتي؟..
- فتحت باب الغرفة.. وجدتها نائمة في حضن أمها إنها هي..
- عدت إلى غرفتي.. أغلقت جهاز الفيديو.. صوت ابنتي يملأ الغرفة.. اتق الله يا أبي.. اتق الله يا أبي..
- قشعريرة سرت في جسدي.. تصبب العرق من رأسي..«رغم برودة الغرفة» لا ادري ما أصابني.. ماعدت اسمع إلا صوتها ولا أري إلا صورتها .. كلماتها اخترقت كل الحواجز الجاثمة على صدري منذ زمن بعيد.. ترك الصلاة.. معاصي.. دخان.. أفلام خليعة..
- أيقظتني من الغفلة.. تسارعت نبضات قلبي.. ألقيت بجسدي على الأرض..
- حاولت أن أنام.. لكنني لم أستطع.. مضى الوقت سريعاً.. صور من الماضي استعرضت أمامي.. ومع كل صورة اسمع صوت ابنتي «اتق الله يا أبي»
- وهنا.. ارتفع صوت الأذان.. اهتزت جوانحي.. ارتعدت فرائصي.. رعشة سرت في أطرافي.. «الصلاة خير من النوم..»
- ياه.. لقد كنت نائماً كل هذه السنين..
- توضأت وخرجت إلى المسجد.. مشيت في الطريق وكأنني لا أعرفه.. وكأن نسائم الفجر تعاتبني أين أنت؟.. وطيور السماء تقول: مرحباً بالنائم الذي استيقظ أخيراً..
-دخلت المسجد.. صليت ركعتين.. وجلست اقرأ القرآن.. تلعثمت في القراءة.. منذ زمن لم أقرأ القرآن.. شعرت أن القرآن يخاطبني.. يرغبني.. يرهبني.. يفتح لي أبواب التوبة والنجاة من النار.. (قل ياعبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً).. تمنيت أن استمر في القراءة.. لكن المؤذن.. أقام الصلاة.. تجمدت في مكاني لحظة ثم تقدمت مع الناس.. وقفت في الصف.. وكأنني غريب..
- انتهت الصلاة.. جلست في المسجد حتى أشرقت الشمس..عدت إلى البيت.. فتحت الغرفة .. ألقيت نظرة على زوجتي وابنتي.. كانتا نائمتين.. تركتهما وخرجت إلى العمل..
- ليس من عادتي الذهاب مبكراً إلى العمل..
- تفاجاً الزملاء بوجودي.. وانطلقت عبارات التهنئة ممزوجة بالسخرية.. لم أبال بالذي يقولون.. تسمرت عيناي على الباب.. أنتظر قدوم إبراهيم.. زميلي في المكتب.. والذي طالما نصحني.. إنه شخص طيب الأخلاق.. حسن المعاملة...
- حضر إبراهيم فقمت من مكاني استقبله.. لم يصدق عينيه..سألني: أأنت أحمد؟ قلت له نعم.. امسكت بيده.. أريد أن أحدثك.. قال: لا بأس نتحدث في المكتب.. قلت: لا.. نذهب إلى الاستراحة..
- صمت إبراهيم وراح يصغي لكلماتي.. حدثته بحديث البارحة أمتلأت عيناه بالدموع وابتسامة عريضة.. قال لي: ذاك نور أضاء قلبك فلا تطفئه بظلمة المعاصي..
- كان يوماً حافلاً بالنشاط والجدية رغم أني لم أنم منذ البارحة.. ابتسامة تعلو وجهي.. تفان في العمل.. المراجعون يتجهون نحوي يطلبون مني مساعدتهم.. بعضهم قال لي: ما هذا النشاط؟.. أجبته إنها صلاة الفجر في المسجد..
- مسكين إبراهيم كان يتحمل العبء الأكبر من العمل أما أنافقد كنت أنام.. لم يشتك او يتذمر ياله من إنسان.. نعم إنه الإيمان عندما تخالط حلاوته شغاف القلوب..
- مضى الوقت ولم اشعر بالتعب والإرهاق.. قال لي إبراهيم: يا أحمد يجب أن تذهب إلى البيت فإنك لم تنم منذ البارحة وسأقوم بعملك.. قلت له: حسناً .. سأذهب..
- نظرت إلى الساعة.. لم يتبق على الأذان سوى دقائق.. قررت البقاء..
- أذن المؤذن فسارعت إلى المسجد.. جلست في الصف الأول.. شعرت بالندم على الأيام التي كنت أهرب فيها من العمل أثناء الصلاة..
- وبعد الصلاة انطلقت إلى البيت..
- في الطريق انتابني شعور بالقلق.. ياترى كيف حال ابنتي؟.. شعرت بانقباض لا أدري لما أحسست أن المشوار طويل.. ازداد الخوف.. رفعت رأسي إلى السماء.. دعوت الله أن يعجل بشفاء ابنتي..
- وصلت إلى البيت.. فتحت الباب.. ناديت زوجتي.. لم أسمع جواباً.. ذخلت الغرف مسرعاً.. تنبهت زوجتي لوجودي.. صرخت وهي تبكي لقد ماتت ابنتي.. لم أتبين ماتقول.. اندفعت نحو ابنتي .. ضممتها إلى صدري.. سقطت يدها نحو الأرض.. جسمها بارد كذلك يداها وقدماها.. نبضها..أنفسها.. لم أسمع شيئاً .. نظرت إلى وجهها.. نور يتلألأ.. كأنه كوكب دري.. ايقظتها.. حركتها.. هززتها صرخت أمها: لقدماتت.. وانخرطت في البكاء..
-انهمرت الدموع من عيني كأنها أنهار.. تردد في سمعي صوت ابنتي اتق الله ياأبي.. استرجعت.. لاحول ولا قوة إلا بالله.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. وقالت زوجتي اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خيراً منها..
- اتصلت على إبراهيم.. قلت له: تعال فوراً لقد ماتت ابنتي.. تحملني كثيراً.. وكان يقول لي: إلى متى يا أحمد؟.. وأقول له: غداً.. غداً فيقول: ولكن الموت يأتي بغتة..
- النساء في الداخل مع زوجتي يغسلن ابنتي..
- نادتني زوجتي.. دخلت كي أودع ابنتي الوداع الأخير.. قبلتها على جبينها.. عاهدتها على الثبات حتى الممات.. نظرت إلى أمها لا تحزني فقد ذهبت إلى الجنة.. هناك سنلتقي.. فشمري كي نلحق بابنتنا.. ثم قرأت قوله تعالى: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان الحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما **ب رهين).. بكت الأم وبكيت أنا..
- صلينا عليها صلاة الجنازة.. ثم سرنا بها إلى المقبرة.. أنظر إلى الجنازة وكأنني أنظر إلى النور الذي أضاء لي حياتي
- وصلنا المقبرة.. المكان موحش.. مخيف.. توجهنا إلى القبر.. وقفت على شفير القبر.. سأضع ابنتي.. أمسك إبراهيم بكتفي «اصبر ياأحمد..
- نزلت إلى القبر إنها دارك ياأحمد ربما اليوم وربما غداً ماذا أعددت لهذه الدار ناداني إبراهيم: أحمد خذ البنت وضعتها على صدري حضنتها قبلتها ثم وضعتها على شقها الأيمن وقلت بسم الله وعلى ملة رسول الله صففت اللبن سددت كل المنافذ خرجت من القبر بدأ الناس يهيلون التراب لم أتمالك دموعي..