حينما تدق الأجراس ..

تنشد الأطيار لحن الخلود ..

فتعانق نسمات الصباح ..

غروب الشمس ..

يتوهج البدر حاملاً معه باقات من الزهر ..

لينثرها بين الأيادي ..

معلنة موعد فجر جديد ..

يصاحبه نور قلم فريد ..

نستقبلكم والبشر مبسمناً ..

نمزجه بشذا عطرنا ..

نصافحكم والحب اكفنا ..

لنهديكم أجمل معانينا ..

ونغرف من همس الكلام أعذبه ..

ومن قوافي القصيد أجزله ..

ومن جميل النثر ..

أروعه ..

بين مد وجزر ..

وفي أمواج البحر ..

نخوض غمار الكلمة ..

فتجرفنا سفينة الورقة ..

تجدفها أقلامنا ..

لتحل قواربكم في مراسينا ..

فنصل معاً نحو شواطينأ ..
روحـ




حينما تدق الأجراس ..

تنشد الأطيار لحن الخلود ..

فتعانق نسمات الصباح ..

غروب الشمس ..

يتوهج البدر حاملاً معه باقات من الزهر ..

لينثرها بين الأيادي ..

معلنة موعد فجر جديد ..

يصاحبه نور قلم فريد ..

نستقبلكم والبشر مبسمناً ..

نمزجه بشذا عطرنا ..

نصافحكم والحب اكفنا ..

لنهديكم أجمل معانينا ..

ونغرف من همس الكلام أعذبه ..

ومن قوافي القصيد أجزله ..

ومن جميل النثر ..

أروعه ..

بين مد وجزر ..

وفي أمواج البحر ..

نخوض غمار الكلمة ..

فتجرفنا سفينة الورقة ..

تجدفها أقلامنا ..

لتحل قواربكم في مراسينا ..

فنصل معاً نحو شواطينأ ..
روحـ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


ثقافي .. إجتماعي .. رياضي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصوردخولالتسجيل

 

 تفسير سورة التوبة 2

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
صدى الهمس
مدير المنتدى



عدد المشاركات : 312
العمر : 29

تفسير سورة التوبة 2 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة التوبة 2   تفسير سورة التوبة 2 Icon_minitimeالسبت 17 أبريل - 21:34

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} أي ومنهم من يعيبك يا محمد في قسمة الصدقات {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا} أي فإِن أعطيتهم من تلك الصدقات استحسنوا فعلك {وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} أي وإِن لم تعطهم منها ما يرضيهم سخطوا عليك وعابوك، قال المفسرون: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم حنين فجاء إِليه رجل من المنافقين يقال له: "ذو الخويصرة" فقال: اعدل يا محمد فإِنك لم تعدل فقال صلى الله عليه وسلم: (ويلك إِن لم أعدل فمن يعدل؟)، الحديث .

{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا ءاتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} أي ولو أن هؤلاء الذين عابوك يا محمد رضوا بما أعطيتهم من الصدقات وقنعوا بتلك القسمة وإِن قلَّت، قال أبو السعود: وذكرُ اللهِ عز وجل للتعظيم والتنبيه على أن ما فعله الرسول كان بأمره سبحانه {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} أي كفانا فضل الله وإِنعامه علينا {سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} أي سيرزقنا الله صدقة أو غنيمة أخرى خيراً وأكثر مما آتانا {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} أي إِنا إِلى طاعة الله وإِفضاله وإِحسانه لراغبون، وجواب {لَوْ} محذوف تقديره لكان خيراً لهم، قال الرازي: وترك الجواب في هذا المعرض أدل على التعظيم والتهويل وهو كقولك للرجل: لو جئتنا .. ثم لم تذكر الجواب أي لو فعلت ذلك لرأيت أمراً عظيماً.

مصارف الزكاة

{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(60)}

ثم ذكر تعالى مصرف الصدقات فقال {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} قال الطبري: أي لا تنال الصدقات إِلا للفقراء والمساكين ومن سماهم الله جل ثناؤه والآية تقتضي حصر الصدقات وهي الزكاة في هذه الأصناف الثمانية فلا يجوز أن يعطى منها غيرهم، والفقير الذي له بُلْغة من العيش، والمسكين لا شيء له قال يونس: سألت أعرابياً: أفقيراً أنت فقال: لا بل مسكين وقيل: المسكين أحسن حالاً من الفقير، والمسألة خلافية {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} أي الجباة الذين يجمعون الصدقات {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} هم قوم من أشراف العرب أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتألف قلوبهم على الإِسلام، وروى الطبري عن صفوان بن أمية قال: لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإِنه لأبغض الناس إِلي، فما زال يعطيني حتى إِنه لأحب الناس إِلي {وَفِي الرِّقَابِ} أي وفي فك الرقاب لتخليصهم من الرق {وَالْغَارِمِينَ} أي المديونين الذين أثقلهم الدين {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي المجاهدين والمرابطين وما تحتاج إِليه الحرب من السلاح والعتاد {وَاِبْنِ السَّبِيلِ} أي الغريب الذي انقطع في سفره {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} أي فرضها الله جل وعلا وحددها {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي عليم بمصالح العباد، حكيم لا يفعل إِلا ما تقتضيه الحكمة قال ابن جزي: وإِنما حصر مصرف الزكاة في تلك الأصناف ليقطع طمع المنافقين فيها فاتصلت هذه في المعنى بآية اللمز في الصدقات.

إيذاء المنافقين للرسول صلى الله عليه وسلم

{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ ءامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(61)}

سبب النزول:

كان جماعة من المنافقين يؤذون رسول الله ويقولون فيه ما لا ينبغي، فقال بعضهم: لا تفعلوا فإِنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا، فقال "الجلاس بن سويد": نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإِنما محمد أذن سامعة فأنزل الله {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ..}.

قال مجاهد: كان المنافقون يعيبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي سرنا فأنزل الله {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ..} الآية.

{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} أي ومن المنافقين أناس يؤذون الرسول بأقوالهم وأفعالهم {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} أي يصدّق بكل خبرٍ يسمعه {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} أي هو أذن خير لا أذن شر، يسمع الخير فيعمل به، ولا يعمل بالشر إِذا سمعه {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي يصدِّق الله فيما يقول، ويصدِّق المؤمنين فيما يخبرونه به لعلمه بإِخلاصهم {وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ ءامَنُوا مِنْكُمْ} أي وهو رحمة للمؤمنين لأنه كان سبب إِيمانهم {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي والذين يعيبون الرسول ويقولون ما لا يليق بجنابه الشريف لهم عذاب موجع في الآخرة.

أحوال المنافقين المتخلفين عن غزوة تبوك وخوفهم أن يفضحهم القرآن

{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ(62)أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ(63)يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِءُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ(64)وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ(65)لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ(66)}

{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} أي يحلفون لكم أنهم ما قالوا شيئاً فيه انتقاص للرسول ليرضوكم بتلك الأيمان {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} أي والحال أنه تعالى ورسوله أحق بالإِرضاء، ولا يكون ذلك إِلا بالطاعة، والمتابعة، وتعظيم أمره عليه السلام {إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} أي إِن كانوا حقاً مؤمنين فليرضوا الله ورسوله .

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي ألم يعلم هؤلاء المنافقون أنه من يعادي ويخالف الله والرسول، والاستفهام للتوبيخ {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا} أي فقد حق دخوله جهنم وخلوده فيها {ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} أي ذلك هو الذل العظيم، والشقاء الكبير، المقرون بالفضيحة حيث يفتضحون على رؤوس الأشهاد.

{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ} أي يخشى المنافقون أن تنزل فيهم سورة تكشف عما في قلوبهم من النفاق {قُلِ اسْتَهْزِءُوا} أي استهزئوا بدين الله كما تشتهون وهو أمر للتهديد كقوله {إعملوا ما شئتم} {إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} أي مظهر ما تخفونه وتحذرون ظهوره من النفاق، قال الزمخشري: كانوا يستهزئون بالإِسلام ويحذرون أن يفضحهم الله بالوحي، حتى قال بعضهم: والله لا أرانا إِلا شر خلق الله، ولوددت أني جلدت مائة جلدة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا .

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} أي ولئن سألت يا محمد هؤلاء المنافقين عما قالوه من الباطل والكذب في حقك وفي حق الإِسلام، ليقولون لك ما كنا جادين، وإِنما كنا نمزح ونلعب للترويح عن النفس، قال الطبري: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوته إِلى تبوك وبين يديه ناس من المنافقين، فقالوا: انظروا إِلى هذا الرجل يريد أن يفتتح قصور الشام وحصونها هيهات هيهات!! فأطلع الله نبيه فأتاهم فقال: قلتم كذا وكذا فقالوا يا نبي الله: إِنما كنا نخوض ونلعب فنزلت {قُلْ أَبِاللَّهِ وَءايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ} أي قل لهؤلاء المنافقين: أتستهزئون بدين الله وشرعه، وكتابه ورسوله؟ والاستفهام للتوبيخ.

ثم كشف تعالى أمرهم وفضح حالهم فقال {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} أي لا تعتذروا بتلك الأيمان الكاذبة فإِنها لا تنفعكم بعد ظهور أمركم، فقد أظهرتم الكفر بإِيذاء الرسول بعد إِظهاركم الإِيمان {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ} أي إِن نعف عن فريقٍ منكم لتوبتهم وإِخلاصهم {نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} أي نعذب فريقاً آخر لأنهم أصروا على النفاق والإِجرام.

صفات المنافقين وجزاؤهم الأخروي

{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(67)وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ(68)كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(69)أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(70)}

{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} أي المنافقون والمنافقات صنف واحد، وهم متشابهون في النفاق والبعد عن الإِيمان، كتشابه أجزاء الشيء الواحد قال الزمخشري: وأريد بقوله {بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} نفي أن يكونوا من المؤمنين، وتكذيبهم فيما أخبر القرءان عن حلفهم {ويحلفون بالله إِنهم لمنكم} ثم وصفهم بما يدل على مخالفة حالهم لحال المؤمنين فقال {يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} أي يأمرون بالكفر والمعاصي وينهون عن الإِيمان والطاعة {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} أي يمسكون أيديهم عن الانفاق في سبيل الله {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} أي تركوا طاعته فتركهم من رحمته وفضله وجعلهم كالمنسيين {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} أي الكاملون في التمرد والعصيان، والخروج عن طاعة الرحمن، وكفى به زجراً لأهل النفاق.

{وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ} أي وعد الله المنافقين والمجاهرين بالكفر بإِصلائهم نار جهنم {خَالِدِينَ فِيهَا} أي ماكثين فيها أبداً {هِيَ حَسْبُهُمْ} أي هي كفايتهم في العذاب، إِذ ليس هناك عذاب يعادلها {وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ} أي أبعدهم من رحمته وأهانهم {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} أي دائم لا ينقطع .

{كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} أي حالكم يا معشر المنافقين كحال من سبقكم من المكذبين، وفيه التفات من الغيبة إِلى الخطاب {كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً} أي كانوا أقوى منكم أجساماً وأشد بطشاً {وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا} أي وكانوا أوفر أموالاً، وأكثر أولاداً، ومع ذلك أهلكهم الله فاحذروا أن يحل بكم ما حل بهم {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ} أي تمتعوا بنصيبهم وحظهم من ملاذ الدنيا {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ} أي استمتعتم بملاذ الدنيا وشهواتها كما استمتع أولئك الذين سبقوكم بنصيبهم منها {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} أي وخضتم في الباطل والضلال كما خاضوا هم فيه، قال الطبري: المعنى سلكتم أيها المنافقون سبيلهم في الاستمتاع بالدنيا كما استمتع الأمم الذين كانوا من قبلكم، وخضتم في الكذب والباطل على الله كخوض تلك الأمم قبلكم، فاحذروا أن يحل بكم من عقوبة الله مثل الذي حل بهم {أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} أي أولئك الموصوفون بما ذكر من قبيح الفعال ذهبت أعمالهم باطلاً فلا ثواب لها إِلا النار {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} أي وأولئك هم الكاملون في الخسران .

{أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي ألم يأت هؤلاء المنافقين خبر الأمم السابقين حين عصوا الرسل ماذا حلَّ بهم من العقوبة؟ {قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ} أي قوم نوح الذين أهلكوا بالطوفان وقوم هود "عاد" الذين أهلكوا بالريح، وقوم صالح "ثمود" الذين أهلكوا بالصيحة {وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ} الذين أهلكوا بسلب النعمة {وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ} قوم شعيب الذين أهلكوا بعذاب يوم الظلة {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} قرى قوم لوط الذين انقلبت بهم فصار عاليها سافلها، وأمطروا حجارة من سجيل {أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ} أي جاءتهم رسلهم بالمعجزات فكذبوهم {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} أي فما أهلكهم الله ظلماً إِنما أهلكهم بإِجرامهم {وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أي ولكن ظلموا أنفسهم بالكفر وارتكاب المعاصي، أفأمن هؤلاء المنافقون أن يُسلك بهم في الانتقام سبيل أسلافهم المكذِبين من أهل الإِجرام؟

صفات المؤمنين وجزاؤهم الأخروي

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(71)وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(72)}

ولما ذكر تعالى صفات المنافقين الذميمة أعقبها بذكر صفات المؤمنين الحميدة فقال {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} أي هم إخوة في الدين يتناصرون ويتعاضدون {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} أي يأمرون الناس بكل خيرٍ وجميلٍ يرضي الله، وينهونهم عن كل قبيح يسخط الله، فهم على عكس المنافقين الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} أي يؤدونها على الوجه الكامل {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} أي يُعطونها إلى مستحقيها ابتغاء وجه الله {وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي في كل أمر ونهي {أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} أي سيدخلهم في رحمته، ويفيض عليهم جلائل نعمته {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} أي غالب لا يُغلب من أطاعه ويذل من عصاه {حَكِيمٌ} أي يضع كل شيء في موضعه على أساس الحكمة، في النعمة والنقمة.

{وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} أي وعدهم على إِيمانهم بجنات وارفة الظلال، تجري من تحت أشجارها الأنهار {خَالِدِينَ فِيهَا} أي لابثين فيها أبداً لا يزول عنهم نعيمها ولا يبيد {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} أي ومنازل يطيب فيها العيش في جنات الخلد والإقامة قال الحسن: هي قصور من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} أي وشيء من رضوان الله أكبر من ذلك كله، وفي الحديث يقول الله تعالى لأهل الجنة: "يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تُعط أحداً من خلقك! فيقول: أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً" {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي ذلك هو الظفر العظيم الذي لا سعادة بعده.

أسباب جهاد الكفار والمنافقين

{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(73)يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ(74)}

{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} قال ابن عباس: جاهد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} أي اشدد عليهم بالجهاد والقتال والارعاب {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} أي مسكنهم ومثواهم جهنم {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي بئس المكان الذي يصار إليه جهنم {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} أي يحلف المنافقون أنهم ما قالوا الذي بلغك عنهم من السب، قال قتادة: نزلت في عبد الله بن أُبيّ، وذلك أنه اقتتل رجلان: جهني وأنصاري، فعلا الجهني على الأنصاري، فقال ابن سلول للأنصار: ألا تنصرون أخاكم؟ والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل "سمن كلبك يأكلك" فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه يسأله فجعل يحلف بالله ما قاله فأنزل الله فيه هذه الآية .

{وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ} وقيل هي قول ابن سلول "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" {وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} أي أظهروا الكفر بعد إظهار الإِسلام {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} قال ابن كثير: هم نفر من المنافقين همّوا بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم عند عودته من تبوك وكانوا بضعة عشر رجلاً {وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} أي ما عابوا على الرسول وما له عندهم ذنب إلا أن الله أغناهم ببركته، ويُمْنِ سعادته، وهذه الصيغة تقال حيث لا ذنب .. ثم دعاهم تبارك وتعالى إلى التوبة فقال {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْرًا لَهُمْ} أي فإِن يتوبوا عن النفاق يكن رجوعهم وتوبتهم خيراً لهم وأفضل {وَإِنْ يَتَوَلَّوْا} أي يعرضوا ويصروا على النفاق {يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا} أي يعذبهم عذاباً شديداً {فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} أي في الدنيا بالقتل والأسر، وفي الآخرة بالنار وسخط الجبار {وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} أي ليس لهم من ينقذهم من العذاب، أو يشفع لهم فيخلصهم وينجيهم يوم الحساب.

كذب المنافقين وخلفهم العهد والوعد

{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ ءاتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ(75)فَلَمَّا ءاتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ(76)فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ(77)أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ(78)}

سبب النزول:

روي أن رجلاً يسمى ثعلبة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: ادع الله أن يرزقني مالاً فقال: ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره، خير من كثير، لا تطيقه، فقال: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله أن يزقني مالاً لأعطين كل ذي حق حقه، فلم يزل يراجعه حتى دعا له، فاتخذ غنماً فنمَت كما ينمو الدود، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها فنزل وادياً من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما، ثم نمت وكثرت حتى ترك الجمعة والجماعة، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فأخبروه بخبره فقال: يا ويح ثعلبة ثلاثاً، فأنزل الله {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ..} الآية فهلك في خلافة عثمان ..

عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر فقال يا رسول الله: أعلى عدو الله تصلي؟ فقال: أخر عني يا عمر إِني خُيرت فاخترت فقيل لي {استغفر لهم} الآية ولو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت، ثم صلي عليه ومشى معه وقام على قبره فما كان إِلا يسيراً حتى أنزل الله {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبداً ..} الآية.

{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} أي ومن المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه {لَئِنْ ءاتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} أي لئن أعطانا الله من فضله ووسع علينا في الرزق {لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} أي لنصدقن على الفقراء والمساكين، ولنعملن فيها بعمل أهل الخير والصلاح .

{فَلَمَّاءاتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} أي فلما رزقهم الله وأغناهم من فضله {بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} أي بخلوا بالإِنفاق ونقضوا العهد وأعرضوا عن طاعة الله ورسوله {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} أي جعل الله عاقبتهم رسوخ النفاق في قلوبهم إِلى يوم لقاء الله {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} أي بسبب إِخلافهم ما عاهدوا الله عليه من التصدق والصلاح {وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} أي وبسبب كذبهم في دعوى الإِيمان والإِحسان .

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} الاستفهام للتوبيخ والتقريع أي ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن الله يعلم أسرارهم وأحوالهم، ما يخفونه في صدورهم، وما يتحدثون به بينهم؟ {وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} أي لا يخفى عليه شيء مما غاب عن الأسماع والأبصار والحواس؟.

إعابة المنافقين على المؤمنين المنفقين

{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(79)اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(80)}

{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} أي يعيبون المتطوعين المتبرعين من المؤمنين في صدقاتهم {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ} أي ويعيبون الذين لا يجدون إِلا طاقتهم فيهزؤون منهم روى الطبري عن ابن عباس قال: جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إِلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء رجل من الأنصار بصاعٍ من تمر، فقال بعض المنافقين: والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إِلا رياءً، وإِن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا الصاع فنزلت {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} أي جازاهم على سخريتهم وهو من باب المشاكلة {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي عذاب موجع، هو عذاب الآخرة المقيم .

{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} أمر ومعناه الخبر أي سواء يا محمد استغفرت لهؤلاء المنافقين أم لم تستغفر لهم فلن يغفر الله لهم {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} قال الزمخشري: والسبعون جارٍ مجرى المثل في كلامهم للتكثير والمعنى مهما أكثرت من الاستغفار لهم وبالغت فيه فلن يغفر الله لهم أبداً {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي عدم المغفرة لهم بسبب كفرهم بالله ورسوله كفراً شنيعاً حيث أظهروا الإِيمان وأبطنوا الكفر {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} أي لا يوفق للإِيمان الخارجين عن طاعته، ولا يهديهم إِلى سبيل السعادة.

فرح المتخلفين من المنافقين عن غزوة تبوك

{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ(81)فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(82)}

{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ} أي فرح المنافقون الذي تخلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك بقعودهم بعد خروج الرسول صلى الله عليه وسلم مخالفة له حين سار وأقاموا {وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي وكرهوا الخروج إِلى الجهاد إِيثاراً للراحة وخوف إِتلاف النفس والمال لما في قلوبهم من الكفر والنفاق .

{وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ} أي قال بعضهم لبعض: لا تخرجوا إِلى الجهاد في وقت الحر، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم استنفرهم إِلى هذه الغزوة في حر شديد، قال أبو السعود: وإنما قال {وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} على قوله "وكرهوا أن يخرجوا إِلى الغزو" إِيذاناً بأن الجهاد في سبيل الله مع كونه من أجلِّ الرغائب، وأشرف المطالب، التي يجب أن يتنافس فيها المتنافسون قد كرهوه، كما فرحوا بأقبح القبائح الذي هو القعود خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا لإِخوانهم تواصياً فيما بينهم بالشر والفساد لا تنفروا في الحر، فقد جمعوا ثلاث خصال من الكفر والضلال: الفرح بالقعود، وكراهية الجهاد، ونهي الغير عن ذلك، قال تعالى رداً عليهم.

{قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} أي قل لهم يا محمد: نار جهنم التي تصيرون إِليها بتثاقلكم عن الجهاد أشد حراً مما تحذرون من الحر المعهود، فإِن حر الدنيا يزول ولا يبقى، وحر جنهم دائم لا يفتر، فما لكم لا تحذرون نار جهنم؟ قال الزمخشري: وهذا استجهال لهم، لأن من تصوَّن من مشقة ساعة، فوقع بذلك التصون في مشقة الأبد كان أجهل من كل جاهل {لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} أي لو كانوا يفهمون لنفروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الحر، ليتقوا به حر جهنم الذي هو أضعاف أضعاف هذا ولكنهم "كالمستجير من الرمضاء بالنار".

{فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} أمر يراد به الخبر معناه: فسيضحكون قليلاً، وسيبكون كثيراً، قال ابن عباس: الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاؤوا، فإِذا انقطعت الدنيا وصاروا إِلى الله عز وجل استأنفوا بكاءً لا ينقطع أبداً {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أي جزاءً لهم على ما اجترحوا من فنون المعاصي.

منع المنافقين من الجهاد، ومنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليهم، والتحذير من الاغترار بهم

{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ(83)وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ(84)وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ(85)}

{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} أي فإِن ردك الله من غزوة تبوك إِلى طائفة من المنافقين الذين تخلفوا بغير عذر {فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ} أي طلبوا الخروج معك لغزوة أخرى {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا} أي قل لهم لن تخرجوا معي للجهاد أبداً {وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} أي لن يكون لكم شرف القتال معي لأعداء الله، وهو خبر معناه النهي للمبالغة، جارٍ مجرى الذم لهم لإِظهار نفاقهم {إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي قعدتم عن الخروج معي أول مرة حين لم تخرجوا إِلى تبوك {فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} أي فاقعدوا مع المتخلفين عن الغزو من النساء والصبيان.

لفت النظر إلى الإعجاز بقوله معيَ، مع العلم أنهم أمروا بالقتال في آية أخرى، إشارة إلى أن القتال سيكون بعد وقاة النبي صلى الله عليه وسلم.

{وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} أي لا تصل يا محمد على أحدٍ من هؤلاء المنافقين إِذا مات، لأن صلاتك رحمة، وهم ليسوا أهلاً للرحمة {وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} أي لا تقف على قبره للدفن، أو للزيارة والدعاء {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي لأنهم كانوا في حياتهم منافقين يظهرون الإِيمان ويبطنون الكفر {وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} أي وماتوا وهم على نفاقهم خارجون من الإِسلام متمردون في العصيان.

{وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ} أي لا تستحسن ما أنعمنا به عليهم من الأموال والأولاد {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا} أي لا يريد بهم الخير إِنما يريد أن يعذبهم بها في الدنيا بالمصائب والنكبات {وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} أي تخرج أرواحهم ويموتوا على الكفر منشغلين بالتمتع بالأموال والأولاد عن النظر والتدبر في العواقب.

استئذان زعماء المنافقين في التخلف عن الجهاد، وإقدام المؤمنين عليه

{وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ ءامِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ(86)رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ(87)لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءامَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(88)أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(89)وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(90)لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(91)وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ(92)}

{وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ} التنكير للتفخيم أي وإِذا أنزلت سورة جليلة الشأن {أَنْ ءامِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ} أي بأن آمنوا بالله بصدق ويقين، وجاهدوا مع الرسول لنصرة الحق وإِعزاز الدين {اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ} أي استأذنك في التخلف أُولوا الغنى والمال الكثير {وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} أي دعنا نكن مع الذين لم يخرجوا للغزو وقعدوا لعذر، قال تعالى تقبيحاً لهم وذماً .

{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} أي رضوا بأن يكونوا مع النساء والمرضى والعجزة الذين تخلفوا في البيوت {وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي ختم عليها {فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} أي فهم لا يفهمون ما في الجهاد وطاعة الرسول من السعادة، وما في التخلف عنه من الشقاوة {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءامَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} قال الرازي: لما شرح حال المنافقين، بيّن حال الرسول والمؤمنين بالضد منه، حيث بذلوا المال والنفس في طلب رضوان الله والتقرب إِليه والمعنى: إِن تخلف هؤلاء ولم يجاهدوا، فقد جاهد من هو خير منهم وأخلص نية واعتقاداً {وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ} أي لهم منافع الدارين: النصر والغنيمة في الدنيا، والجنة والكرامة في الآخرة {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي الفائزون بالمطلوب.

{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} أي أعد الله لهم على إِيمانهم وجهادهم بساتين تجري من تحت قصورها الأنهار {خَالِدِينَ فِيهَا} أي لابثين فيها {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي ذلك هو الظفر العظيم. الذي لا فوز وراءه.

{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ} أي جاء المعتذرون من الأعراب الذين انتحلوا الأعذار وتخلفوا عن الجهاد {لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} أي في ترك الجهاد، وهذا بيان لأحوال المنافقين من الأعراب بعد بيان أحوال المنافقين من أهل المدينة، قال البيضاوي: هم "أسد" و "غطفان" استأذنوا في التخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال {وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي وقعد عن الجهاد الذين كذبوا الله ورسوله في دعوى الإِيمان، وهم قوم لم يجاهدوا ولم يعتذروا عن تخلفهم {سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وعيد لهم شديد أي سينال هؤلاء المتخلفين الكاذبين في دعوى الإِيمان عذاب أليم بالقتل والأسر في الدنيا، والنار في الآخرة.

{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى } أي ليس على الشيوخ المسنين، ولا على المرضى العاجزين الذين لا يستطيعون الجهاد لعجزهم أو مرضهم {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ} أي الفقراء الذين لا يجدون نفقة للجهاد {حَرَجٌ} أي إِثم في القعود {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} أي أخلصوا الإِيمان والعمل الصالح، فلم يرجفوا بالناس ولم يثبطوهم، ولم يثيروا الفتن، فليس على هؤلاء حرج إِذا تركوا الغزو لأنهم أصحاب أعذار {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} أي ليس عليهم جناح ولا إِلى معاتبتهم سبيل، قال ابن جزي: وصفهم بالمحسنين لأنهم نصحوا لله ورسوله، ورفع عنهم العقوبة والتعنيف واللوم، وهذا من بليغ الكلام لأن معناه: لا سبيل لعاتب عليهم، وهو جارٍ مجرى المثل {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي عظيم المغفرة والرحمة حيث وسع على أهل الأعذار .

{وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} نزلت في البكائين الذين أرادوا الغزو مع رسول الله ولم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم ما يحملهم عليه، قال البيضاوي: هم البكاءون سبعة من الأنصار أتوا الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: قد نذرنا الخروج فاحملنا نغزو معك، فقال عليه السلام: لا أجد ما أحملكم عليه فتولوا وهم يبكون {قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} أي ليس عندي ما أحملكم عليه من الدواب {تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا} أي انصرفوا وأعينهم تسيل دمعاً من شدة الحزن { أَلا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ} أي لأنهم لم يجدوا ما ينفقونه لغزوهم، ولم يكن عند الرسول ما يحملهم عليه.

معاتبة المنافقين بالتخلف عن الجهاد

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ(93)}

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ} أي إِنما الإِثم والحرج على الذين يستأذنوك في التخلف وهم قادرون على الجهاد وعلى الإِنفاق لغناهم {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} أي رضوا بأن يكونوا مع النساء والمرضى والعجزة {وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي ختم عليها فهم لذلك لا يهتدون.

عدم تصديق المنافقين في اعتذاراتهم وأيمانهم الكاذبة

{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(94)سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(95)يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ(96)}

{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ} أي يعتذر إِليكم هؤلاء المتخلفون عن غزوة تبوك إِذا رجعتم إِليهم من سفركم وجهادكم {قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ} أي قل لهم لا تعتذروا فلن نصدقكم فيما تقولون {قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ} أي قد أخبرنا الله بأحوالكم وما في ضمائركم من الخبث والنفاق {وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} أي وسيرى الله ورسوله عملكم فيما بعد، أتتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه؟ {ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أي ثم ترجعون بعد مماتكم إِلى الله تعالى الذي يعلم السر والعلانية، ولا تخفى عليه خافية {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي فيخبركم عند وقوفكم بين يديه بأعمالكم كلها، ويجازيكم عليها الجزاء العادل .

{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ} أي سيحلف لكم بالله هؤلاء المنافقون {إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ} أي إِذا رجعتم إِليهم من تبوك معتذرين بالأعذار الكاذبة {لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ} أي لتصفحوا عنهم ولتعرضوا عن ذمهم {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ} أي فأعرضوا عنهم إِعراض مقتٍ واجتناب، وخلُّوهم وما اختاروا لأنفسهم من الكفر والنفاق، قال ابن عباس: يريد ترك الكلام والسلام ثم ذكر تعالى العلة فقال: {إِنَّهُمْ رِجْسٌ} أي لأنهم كالقذر لخبث باطنهم {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} أي مصيرهم إِلى جهنم هي مسكنهم ومأواهم {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أي جزاءً لهم على نفاقهم في الدنيا، وما اكتسبوه من الآثام {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ} كرره لبيان كذبهم وللتحذير من الاغترار بمعاذيرهم الكاذبة، أي يحلفون لكم بأعظم الأيمان لينالوا رضاكم {فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} أي فإِن رضيتم عنهم فإِن رضاكم لا ينفعهم لأن الله ساخط عليهم، قال أبو السعود: ووضع الفاسقين موضع الضمير للتسجيل عليهم بالفسق والخروج عن الطاعة.

أحوال الأعراب سكان البادية

{الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(97)وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(98)وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(99)}

{الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} الأعراب - أهل البدو - أشد كفراً وأعظم نفاقاً من أهل الحضر، لجفائهم وقسوة قلوبهم، وقلة مشاهدتهم لأهل الخير والصلاح {وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} أي وهم أولى بألا يعلموا ما أنزل الله على رسوله من الأحكام والشرائع، قال أبو حيّان: وإِنما كانوا أشد كفراً ونفاقاً لفخرهم وطيشهم ونشأتهم بلا سائس ولا مؤدب ولا مُربّي، فقد نشأوا كما شاءوا، ولبعدهم عن مشاهدة العلماء ومعرفة كتاب الله وسنة رسوله، فكانوا أطلق لساناً بالكفر من منافقي المدينة {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي عليم بخلقه حكيم في صنعه .

{وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا} أي ومن هؤلاء الأعراب الجهلاء من يعدُّ ما يصرفه في سبيل الله ويتصدق به غرامة وخسراناً، لأنه لا ينفقه احتساباً فلا يرجو له ثواباً {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ} أي ينتظر بكم مصائب الدنيا ليتخلص من أعباء النفقة {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} جملة اعتراضية للدعاء عليهم أي عليهم يدور العذاب والهلاك {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي سميع لأقوالهم عليم بأفعالهم.

{وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} أي ومن الأعراب من يصدِّق بوحدانية الله وبالبعث بعد الموت على عكس أولئك المنافقين {وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ} أي ويتخذ ما ينفق في سبيل الله ما يقربه من رضا الله ومحبته {وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} أي دعاء الرسول واستغفاره له {أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ} {أَلاَ} أداة استفتاح للتنبيه على الاعتناء بالأمر أي ألا إِن هذا الإِنفاق قربة عظيمة تقربهم لرضا ربهم حيث أنفقوها مخلصين {سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ} أي سيدخلهم الله في جنته التي أعدها للمتقين {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي غفور لأهل طاعته رحيم بهم حيث وفقهم للطاعة.

منزلة السابقين الأولين وحال منافقي المدينة وما حولها

{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(100)وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ(101)وَءاخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَءاخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(102)}

{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} أي والسابقون الأولون في الهجرة والنصرة، الذين سبقوا إِلى الإِيمان من الصحابة {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} أي سلكوا طريقهم واقتدوا بهم في سيرتهم الحسنة، وهم التابعون ومن سار على نهجهم إِلى يوم القيامة {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وعدٌ بالغفران والرضوان أي رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذا أرقى المراتب التي يسعى إِليها المؤمنون، ويتنافس فيها المتنافسون أن يرضى الله تعالى عنهم ويرضيهم، قال الطبري: رضي الله عنهم لطاعتهم إِياه وإِجابتهم نبيه، ورضوا عنه لما أجزل لهم من الثواب على الطاعة والإِيمان {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} أي وأعد لهم في الآخرة جنات تجري من تحت أشجارها وقصورها الأنهار {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} أي مقيمين فيها من غير انتهاء {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي ذلك هو الفوز الذي لا فوز وراءه، قال أبو حيّان: لما بيّن تعالى فضائل الأعراب المؤمنين، بيّن حال هؤلاء السابقين، ولكن شتان ما بين الثناءين فهناك قال {ألا إِنها قُرْبةٌ لهم} وهنا قال {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} وهناك ختم {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وهنا ختم {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

{وَمِمَّن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sadaaalhms.mam9.com
Nice Girl
عضو جديد
عضو جديد



عدد المشاركات : 23
العمر : 31

تفسير سورة التوبة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة التوبة 2   تفسير سورة التوبة 2 Icon_minitimeالأربعاء 1 سبتمبر - 1:03

بآآآرك الله فيك وجزااك الجنهـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة التوبة 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة التوبة
» تفسير سورة الفاتحة (فريق التوبة) رائعة
» تفسير سورة هود
» تفسير سورة البقرة 2
» تفسير سورة البقرة 3

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: «®°•.¸.•°°•.¸.•°™صدى الهمس الاسلامي ™°•.¸.•°°•.¸.•°®» :: `·.¸¸.·¯`··._.· (الــ ق ــرآن الــ ك ــريم) ·._.··`¯·.¸¸.·`-
انتقل الى: